المختطف عدنان الحصري..أستاذ مدرسة الصبر والصمود

المختطف عدنان الحصري..أستاذ مدرسة الصبر والصمود

الضفة الغربية – فلسطين الآن – عندما تلتقيه في أحد شوارع طولكرم أو في مساجدها، بالكاد تصدق أن الرجل "يهزهم" إلى هذا الحد.
جسد نحيل، صمت طويل، هدوء، وملامح التزام تظهر على جبينه، هكذا يصف الكرميون ابنهم عدنان الحصري "أبو بكر"، الذي تحول من لاجيء يقيم في مخيم طولكرم إلى رمز من رموز المحافظة، وعَلم ارتبط اسمه بالصمود في زنازين "أبناء جلدتنا" وأقبية التحقيق الخاصة بهم.

فأمام مسجد عثمان بن عفان، الذي كان يوماً مركزاً للدعوة والهداية والنور والصلاح في طولكرم، يجلس أبو بكر الحصري يقتات من عمل يديه، حيث يملك بسطة يبيع عليها الملابس، وما أن ينطلق صوت الأذان حتى يوكل أحد أبنائه للقيام بأعباء البسطة، ويدخل المسجد مصلياً.

داخل المسجد لا تجد أبا بكر إلا راكعاً أو ساجداً أو قائماً، أو منصتاً لحلقة ذكر أو وصية خير قبل أن تصبح الدروس والمواعظ التي تصنع الرجال من المحظورات في ضفة يحكمها باقتدار صهاينة وأمريكان ولكن "بأيد فلسطينية".

نظراؤه قلة
ارتبط اسم الحصري بالحركة الإسلامية، فعرف بنشاطه بين أقرانه من أبناء الحركة في مخيمه، وعلى مستوى المحافظة، حتى صار من أبناء الحركة المميزين المعروفين بعلمهم وتقواهم وهداهم وجمال الروح ودماثة الخلق.

ويقول بعض من يعرفون أبو بكر جيداً أن نظراءه في هذا الزمن قلائل، كما يعرفون عنه أنه "رجل الصمت".

عاش أبو بكر وله من العمر الآن 45 عاماً حياة وطنية ونضالية صاخبة، لكنها لم تؤثر على سمت الرزانة في سلوكه، والهدوء البادي على محياه، حتى أصبح رفاق دربه في مسيرة الجهاد والمقاومة يطلقون عليه اسم "االرجل الصامت".

ابن السجون
وكما هو حال "الغرباء عن زمن الردة" هذا، تعرض الحصري للأسر في سجون الصهاينة، فدفع من حياته أشهراً وسنيناً قابعاً خلف قضبان السجون وفي عتمة الزنازين.

يقول أحد رفاق الحصري الذين عايشوه في اعتقاله الأخير في سجن مجدو الصهيوني أن عدنان كان داخل السجن نموذجاً يحتذى للشباب، فالرجل مدرسة في الصبر والإرادة، وقد فشل المحققون على مدى جولات طويلة من التعذيب والتنكيل في انتزاع أي معلومة منه.

أمضى عدنان عامين كاملين رهن القيد والاعتقال الإداري رفيقه المصحف، وسلاحه الذكر والتسبيح حتى أطلق سراحه من سجون الاحتلال نهاية العام 2008 لتتلقفه أيدي أبناء الجلدة.

فبعد شهرين فقط من إطلاق سراحه، كان الحصري على موعد مع "الأمن الوقائي" الفلسطيني، اعتقلوه وشبحوه وتعرض لصنوف التعذيب والتنكيل مدة 70 يوماً وما نطق لسانه بكلمة.

وتعود مدرسة الصبر مع أبو بكر إلى أيام بلال بن رباح رضي الله عنه، الفرق أن جلاد بلال كان يجحد الله أما جلاد عدنان فيعرف أنه ما من إله إلا "أحد أحد".

لا يصرخ
أطلق سراح الحصري من سجون الوقائي، لكن حريته هذه المرة وكما في المرة التي سبقتها كانت إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من المعاناة، فقد اعتقله جهاز المخابرات في طولكرم يوم 12\3\2009، بعدما داهمت قوة كبيرة منزله في مخيم طولكرم واعتدى عناصرها عليه بالضرب أمام زوجته وأطفاله.

وفيما كان الحي الذي يقع فيه مبنى المخابرات في طولكرم يفيق وينام على أصوات المعذبين من أبناء "حماس"، كان الحصري يعض على الجرح، ويكتم الألم.

يقول أحد عناصر "حماس" الذين رافقوه في رحلة التعذيب تلك: "كان صمته يغيظهم، وتحمله العجيب للألم في التحقيق يدفعهم نحو الجنون".

ويضيف: "كانوا يجربون وضعيات الشبح المختلفة عليه في اليوم الواحد، يعلقونه للخلف، ومن رجليه، ويشبحونه بطريقة الموزة، لكنه لم يصرخ مرة واحدة".

ومرة بعد مرة لم يفلح الأمر مع أبي بكر، أطلقوا سراحه واعتقلوه مجدداً في 25\4\2009، تقزم حلمهم من معلومات يبحثون عنها إلى مجرد دفعه للصراخ، وفي الحالتين لم يمنحهم الحصري فرصة للفرح، فلم يتكلم ولم يصرخ، ضربوه أمام أطفاله، سرقوا من بيته مصاغ زوجته أثناء اعتقاله، لكن صمود الرجل قزمهم، فأطلقوا سراحه عاجزين.

ولم ينته مسلسل المعاناة لدى عائلة أبي بكر عند هذه النقطة، ففي 2\7\2010 قامت مخابرات عباس باعتقاله مجدداً ثم افرج عنه لتعيد اعتقاله قبل ايام ضمن حملة الإختطافات الاخيرة، فعاد للزنازين التي أكلت من جسده، عاد إلى سجنه الذي يقبع فيه إلى اليوم، لكنه وكما في كل مرة لم يصرخ.

مشكوووووووور عالموضوع